في واحد من أندر سجالات الشعر الشعبي بين موهوبة وشاعر مجيد:" هلا علي " بدأت بالرد على زوامل أبيها فغلبت فوارس القصيدة من الرجال
> الثأر من أبرز ما عالجته من قضايا في شعرها
قبل أشهر كنت عائدا من ذمار إلى صنعاء وكان صوت مغن جميل ينطلق من مسجل الحافلة التي نستقلها بكلمات شعبية عامية معبرة ذات معنى وبعبارات مفهومة سهلة الألفاظ لكنها كانت صعبة التركيب وصعبة على التقليد أو المحاكاة , وكان مقدم الكاسيت قد ذكر أن الشعر المغنى في أول الشريط هو " البدع " أو البدء بقصيدة للشاعر الشيخ حمود صالح المحنقي .. وما إن انتهى المغني من ترديد كلمات تلك القصيدة حتى قدم الجواب والمجاوب : قصيدة شعرية يمنية شعبية عامية ردت بها شاعرة أسمت نفسها " هلا علي " ,
وجاء ردها على قصيدة الشاعر بيتا بيتا وفقرة فقرة وبنفس قافيته إن لم تكن قد أضافت وأشجت وأبكت بما جادت به قريحتها وأبدعت وجعلت راكبي تلك الحافلة يستمعون بإمعان إلى مغني ذلك السجال الشعري بين رجل وفتاة وهو يروي بصوت طربي وممتع قصة واقعية كان بطلها والد الفتاة الشاعرة وبعض أفراد من أسرتها والشاعر المحنقي ومكان القصة السجن المركزي في ذمار الذي جمع الشاعر بوالد هلا , ليبدأ من هناك سجال وتجاوب شعري نادرا مايتوقع اليمني حدوثه وعلى ذلك النحو المعبر عن كثير من قضايا المجتمع اليمني , لأنه اعتاد على سماع سجال شعري شعبي وخاصة إن كان مغنى بين شاعر وشاعر وأمثلة ذلك كثيرة كـ" العفيف والمنقذي أو الصمبحي والهروجي أو المسمري " أوما كان بين الشاعر الغرسي وشعراء آخرين لكن أن يجد نفسه مشدودا إلى شعر شاعر في مقابل قصيدة رد من شاعرة وفي مواضيع اجتماعية وقضايا قبلية وأمور يمنية عامة غلب فيه خطاب الشاعر للشاعرة بالابنة وخطابها له بالأب الفاضل فكان ذلك هو الجديد والمفاجئ لي ولمن كانوا مسافرين معي يومها ليتجاوزني حب الاستماع وتملك كلمات قصيدتي الشاعرين من شراء الكاسيت الأول ثم الثاني إلى متابعة معرفة حقيقة الشاعرة واسمها وعنوانها وإجراء مقابلة صحافية معها حتى كان ذلك ولكن بعد ثلاثة أشهر من السئوال والتقصي إلى أن عرفت أنها طالبة في الصف الثاني الثانوي وتعمل سكرتيرة في مستشفى مدينة معبر بمحافظة ذمار وصار زملاؤها وزميلاتها يلقبونها بـ" غزال المقدشيه " اشهر شاعرات الشعر الشعبي في اليمن ولايزيد عمرها 18عن سنة وتجيد الطباعة على الكمبيوتر وتستخدم اسما مستعارا في قصائدها الشعرية العامية وتعيش في معبر رغم أنها من إحدى القرى التابعة لمحافظة صنعاء وهذا ملخص حديثها لـ" 26 سبتمبرنت " والذي يعد الأول لصحيفة يمنية :
تقول هلا أن تجربة الشعر الشعبي بدأت عندها منذ الصغر فقد كان والدها ينظم زاملا شعبيا ويسمعها فترد عليه بزامل ثم أخذت تنظم أبياتا شعرية في شكل قصائد غير مكتملة إلى أن حبس والدها في سجن مدينة ذمار قبل ست سنوات تقريبا وهناك جمعته الصدفة بالشيخ حمود صالح مقبل المحنقي وهو شاعر شعبي مجيد فعرف منه أن ابنته تجيد قرض الشعر فكتب قصيدة إليها يقول فيها :
في يوم جمعه ياهلا كلين تغدا
والمحنقي كثر غناش
ياعارفه سنه وصايب كل مبدا
خباش ابوش لاعد نراش
مابه سخى يحبس فيَ السجن المردى
ولامعه شطه فراش
إلى آخر القصيدة التي روت حال والدها في السجن, ثم ردت عليه بقصيدة بدأتها بـ:
ما زد دريت هو يوم سبت أو يوم حدا
جات الرسالة والنقاش
من أب فاضل صاغها شكرا وحمدا
بعد الرخا والانتعاش
وتصل في قصيدتها إلى القول :
واقول واذكر حمود الأهل بدوا
وانا قبيليه حماش
من شافني ماخزى ولانا بنت سودا
أفعل على وجهي قماش
من جا قدايا له أقوم يداً بيدا
أصافحه واقل كفاش
يا بنت جيلي للخزا لقيه نودا
وخلي الجوده دفاش
وابكي معيا واطلعي نهده بنهدا
وسلفيني من شجاش
لني من الباطل ومن جور التعدا
ذي سار للوالد بكاش
وتعتبر أن بدايتها الحقيقية في نظم القصيدة الشعبية كانت مع أول قصيدة ردت بها على شعر المحنقي وترفض الكشف عن اسمها الحقيقي ولقبها في الوقت الحالي وتقول " الأسباب كثيرة فلم يحن بعد ذلك ولأني أفضل البقاء باسم هلا مادام موضوعنا هو الشعر ولأن الناس قد عرفتني بهذا الاسم من خلال قصائدي " لكنها مع ذلك تؤكد أنها تلقى تشجيعا غير عادي من والدها وأسرتها على الاستمرار في نظم القصيدة العامية ولا يجدون أي مانع في ردها على قصائد شاعر من هنا أو من هناك
ويغلب على قصائد " هلا " التركيز على معالجة مواضيع مجتمعية عامة يعكسها واقع الحال لديها أولا , وقضايا المرأة وحرصها في أن يكون له صوت معبر وتعطى حقوقها كاملة والمشاكل التي تعصف عادة بالمناطق القبلية في اليمن وخاصة قضية الثار ومآسيه وما يعانيه اليمن واليمنيون منه
أما عن الشعراء الذين تقرأ لهم وتأثرت بهم وخاصة شعراء الشعر الشعبي فتقول " هلا " أنها تأثرت كثيرا بشعر الثائر اليمني الكبير الراحل الشيخ علي ناصر القردعي والشاعرعبدالله العنسي وقرأت للشاعرة "مليون " , وترفض أي سجال شعري بينها وبين أي شاعر آخر من الرجال باستثناء " المحنقي " الذي وصل عدد القصائد المتبادلة بينه وبينها إلى ست حتى الآن وجميعها مسجلة على أشرطة كاسيت غناها فنانون شعبيون بيع من كل واحد منها أكثر من عشرين ألف نسخة في محافظة ذمار وحدها , ولا تنكر أنها تتلقى عروضا مالية مغرية جدا من مالكي الاستريوهات في مقابل أن يكون لها حق تسجيل قصيدة من قصائدها أسوة بالقصائد السابقة
وتعيد الفضل في كل ذلك إلى والدها الذي يتابع شعرها أولا بأول ويتدخل أحيانا في تعديل بيت شعري أو قافية أو لفظ كما تقول ليكتمل قوام وجمال قصيدتها , أما الشاعر المحنقي فيقول أنه ظن في البداية أن البنت " هلا " كما يخاطبها دائما لم تكن إلا نسجا من خيال والدها حتى تأكد أنها حقيقة واقعة لأن القصيدة الأولى منها إليه لقوتها وغزارة معانيها ودقة ألفاظها وحسن اختيار كلماتها شككته في أن يكون ناظمها امرأة بل رجل لندرة الشاعرات المجيدات للشعر الشعبي هذه الأيام ولم يعرف اسمها الحقيقي إلا بعد القصيدة الثانية
ويصف شعرها بأنه نابع من منبع الشعر الجميل , ويقول المحنقي أيضا أن الأمر وصل بالبعض ممن استمعوا إلى أول قصيدتين لهما أن اتهموه بأنه اخترع شاعرة اسمها " هلا " من خياله حتى تأكدوا بأنفسهم بأنها موجودة فعلا وتعمل في مستشفى مدينة معبر , ويصل معدل القصائد المتبادلة بين هذه الشاعرة الموهوبة والشيخ الشاعر إلى قصيدتين كل عام يسجلان عبر فنان شعبي ثم يوزعان
وتتطلع " هلا " إلى أن تواصل تعليمها وتتخرج طبيبة مع إصرارها على أن تطور من موهبتها الشعرية وتنميها ولا تمانع في الاشتراك في مهرجانات أو مسابقات شعرية أو الظهور على شاشات التلفزيون لإلقاء قصائدها وتقول إن لها قصائد في مواضيع أخرى كالقصائد العاطفية التي تحتفظ بها لنفسها فقط
ولعل أكثر ما شدني في شعر هذه الشاعرة الموهوبة هو قوة التصوير والتشبيه لديها وان جاء بعفوية وببساطة وسهولة عندها غير متكلف أو مصطنع كقولها " يابنت جيلي للخزا لقيه نودا .. وخلي الجوده دفاش " ومعنى " نود " أي الريح والجودة هي كل ما يعني من كرم ومن الأخلاق الحميدة والعادات الحسنة والفعال الطيبة سواء كانت عند المرأة أو عند الرجل وفي هذا البيت ما فيه من تحفيز للفتاة اليمنية على أن تترك الخجل وترميه للريح وتكافح لنيل فرصها في كل مجالات الحياة سواء كان ذلك تعليما أو وظيفة أو إعلاء لصوتها مع تذكيرها لها أن تبقى الأخلاق السامية والعادات الجميلة دفاءها وسترها ودرعها الواقي. وننشر هنا قصيدة الثأر للشاعرة " هلا علي " وهي جوابية على قصيدة للشاعر المحنقي وتعد اصدق تعبير وتصوير لمآسي مشكلة الثار وضحاياه في اليمن ودعوتها لمعشر الرجال في أن يتحركوا للقضاء على ظاهرة تكاد تقضي على مجتمع بأكمله ولا تنسى أن تذكرهم بما عمله فخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية وما أمر به في سبيل إنهاء قضايا الثأر وإيجاد حلول له :
الله اكبر دون المولى على العبد العمل
في لوح محفوظ قبل ما تم الرضاعه والفصال
واهداه نجدين السلامه والندامة لارتجل
إختار احداهن وجاوبني على قدر السئوال
فـ" سين " واحد من فتح للباب ذي ما يقتفل
الثأر ذي خلا اليمن تفقد فالعياد العيال
والأم في محرابها تنعي ضناها ذي قتل
في يوم كان الجهل قايد من تبنوا للقتال
يا أحتي حنيت ما حنت مذاري من بتل
وما تحن العيس في مسراحها بعد البتال
مما تسويه القبايل ذي لها في العرف حل
وما تحل الجور من قبل التواصل بالنصال
كم يا وكم مثلي ومثل الأم والأخت اضمحل
أجسادنا والعظم ذحل بعد ما الحل استحال
عندالرجاجيل الكبيرة ذي من العليا تطل
وتقتل النفس البريه عنجهيه وابتذال
قالت هلا يالمحنقي جهز متاعك واتكل
لاعند قايدنا المناضل ذي بما يغليه صال
قل له على ذا الدرب واصل فانته أفضل من وصل
وحب كل الناس توصل لاكمال الاعتدال
عبر الحوار الجاد جفف خد من دمعه نزل
من بعد ما اعلن صلح شامل أيده شعبي وقال
لا فض فوك يا أب روحي لليتامى كم سأل
عنهم في المذياع والتلفاز شفت الاحتفال
تعيش ما عاشت يمنا زاخره بين الدول
وما بقي حبك مخلد وسط قلبي واستقال
وارجو من العقال تمشي مثل مشيه ما تمل
وتنبذ الثار الموغل في قرانا والحلال